إذا نازعت أحدَكم نفسُه أن تستجيب لنزواتها، وأن تتبع شهواتها التي تتنافى مع أوامر الله عز وجل وشرعه، فليذكر ضجعة الموت؛ فإنها تحرره من نزواته، وتسمو به فوق شهواته.
وإذا رأى أحدُكم أن رعوناته النفسية تستبد به، وتدعوه إلى الاستكبار على الآخرين، وظلمهم، واستلاب حقوقهم، فليذكر ضجعة الموت، فإنها تحرره من رعوناته، وتحرره من استكباره، وتعيده إلى ساحة عبوديته لله سبحانه وتعالى.
وإذا رأى أحدُكم أن أطماعه استبدت به، ودفعته إلى أن يتخذ من الرِّشوة سبباً لإفساد البلد الذي هو فيه، وعاملاً لشلِّ فاعلية القوانين والشرائع في المجتمع الذي يعيش فيه، فليذكر ضجعة الموت، فإن من شأنها أن تقطعه عن أطماعه، وأن تعيده إلى قناعته بما يسر الله سبحانه وتعالى له من رزق.
وإذا رأى أحدُكم أن العمالة تستبد به، وتدعوه إلى أن يجعل من نفسه مطية للعدو المتحكم بالأرض، والمستبدّ بالعِرض، والطامع في الحقوق، فليذكر هو الآخر ضجعة الموت، فإنه إن تذكرها تحرر من عمالته، وعاد عبداً مملوكاً لله سبحانه وتعالى.
وإذا رأى أن أوامر الله سبحانه وتعالى ثقيلة عليه، وأنه متقاعس عن أداء طاعاته، وأوامر التي أمره بها، متقاعس عن الانتهاء عن النواهي التي حذره منها، فليذكر هو الآخر ضجعة الموت، فإن من شأنها أن تجعله على مستوى الطاعة لمولاه وخالقه، وأن تجعله متهيئاً لتنفيذه أوامر مولاه وربّه.
ضجعة الموت - يا عباد الله - هي التي تقرب البعيد، وهي التي تيسر الصعب، وهي التي تلين الحديد، وهي التي تجعل القليل كثيراً، وتجعل الكثير قليلاً، كما قال المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: ((أكثروا من ذكر هادم اللذات، ومفرِّق الجماعات، فإنه ما ذُكر في كثير - أي من المعاصي - إلا قلَّله، وما ذكر في قليل - أي من الطاعات - إلا كثّره)).